سيرته الذاتية مليئة بالإنجازات العملية والعلاقات الإنسانية في ثلاثينيات القرن الماضي، فآثارها ونتائجها ماتزال باقية تتحدث عنه حتى بعد رحيله.
إنه المربي الفاضل “فايز اسطفان” الذي امتهن لنفسه الإنسانية فحاول دراسة الطب ليكون البلسم الشافي لأبناء جلدته، ولكن حظه العاثر منعه من تحقيق ذلك، فدرس الحقوق في جامعة دمشق وتخرج منها عام 1938 إلا أنه لم يعمل بها، ولو فعل لكان من ألمع محاميي عصره وزمانه، لِما امتلكه من ثقافة وأدب وصدق ودراية.
لقد أحب المربي “فايز” العلاقات الإنسانية بمختلف مكوناتها، ووجد هذه العلاقات الإنسانية بمهنة التدريس بعدما انخرط بها بين الحين والآخر خلال سنوات دراسته للحقوق بدمشق وفي مدرسة الكلية الوطنية بطرطوس، فقرر بعد التخرج العمل بها والمساهمة ببناء جيل من المثقفين يحملون ذات الأفكار والرؤى الإنسانية التي يحملها في زمن ملئه الفقر والجهل والتخلف، لأن الإمكانيات المطلوبة غير متوفرة أو متاحة للنهوض الثقافي والعلمي، وهنا برز دوره أيضاً كمرشد اجتماعي يقصده طلابه والمعارف والأقارب لمعرفة رأيه في بعض القضايا الاجتماعية، فليس من السهل النهوض بالمجتمع من أدنى درجاته إلى درجات متقدمة دون الانخراط مع أبناءه وكسب ثقتهم ومحبتهم.
لقد تلقى المربي “فايز” علومه في مدرسة الكلية الوطنية بطرطوس التي أسسها المربي “يوسف الباني” في عشرينيات القرن الماضي، و دَرّسَ فيها من حين لآخر بعد التخرج منها خلال فترة دراسته الجامعية، وبعد حصوله على الحقوق التزم بالتدريس فيها للعديد من المواد ومنها مادة الرياضيات بعدما اشترتها البعثة العلمانية الفرنسية من المربي “يوسف”، حيث لم يكن يوجد تخصص علمي للمواد المعطاة بل التدريس يعتمد على الثقافة، ونظراً لجدارته وقدرته على التعاطي مع الطلاب بشكل كان له الآثار الإيجابية على هؤلاء الطلاب استلم المهام التوجيهية في المدرسة، وأصبح مقصد لجميع الطلاب للاستفادة من ثقافته وعلمه الذي لم يبخل بهما على أحد.
قبل خروج البعثة العلمانية الفرنسية من سورية، اشترى المربي “فايز” البناء المدرسي وكل ما يتعلق به ليتابع المسيرة التعليمية وتنشئة جيل المستقبل المثقف الواعي، وأطلق حينها على المدرسة اسم الثانوية الأهلية الخاصة وذلك في عام 1953.
يعتبر المربي “فايز” من مؤسسي الرعيل الأول لمثقفي طرطوس وأدبائها ومبدعيها في مختلف المجالات، لذلك لقب بالمعلم الصالح من قبل طلابه وتلامذته في الثانوية الأهلية الخاصة، كما تميز بالتواضع والطيبة بشهادة جميع الذين رافقوه خلال مسيرته التعليمية أو الذين تخرجوا من مدرسته.
أما المطران “الياس قربان” راعي أبرشية طرابلس والكورة وتوابعها للروم الأرثوذكس، فيرى أن هذا الرجل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهذا المرشد الاجتماعي الذي كان يقصده أبناءه التلاميذ للاستنارة برأيه السديد، هو إنسان مخلص لأنه لم يقطع جذوره التي ينتمي لها، ففي كل عام تقريباً كان يقصد بلد منشأ أسرته الشوير في لبنان، ليشد الروابط مع الأهل والأقارب، وليقضي مدة من فصل الصيف في تلك الربوع الجميلة، ويتابع علاقاته حتى مع المغتربين في مختلف دول العالم، فهو متقن لعدة لغات منها الفرنسية والإنكليزية، إضافة إلى اللغة الأم وهي اللغة العربية التي قدت من صخر، لأنه كان مقرضاً للشعر ولغة الخطابة، وخطاباته الصداحة ماتزال يرن صداها في أذني.
في حين أن الأستاذ “عدنان حربا” مدير سابق لمدرسة الأستاذ “فايز اسطفان”، قال: «لقد سَخّرَ الأستاذ “فايز” نفسه وإمكانياته للعمل في ميدان التربية والتعليم وبكل تفانٍ، فلم يقتصر عمله على نقل المعرفة العلمية إلى طلابه فقط، بل تعدى ذلك إلى التعامل معهم دون أية حواجز، فهو معلم معهم، وأخ لهم، وصديق يستمع إلى مشاكلهم ليقدم الحلول الناجحة والنصائح المفيدة، كان يتألق في الصف عندما يدرس مادة الرياضات الجافة والصعبة، فترى الطلاب في تناغم تام معه، لأنه تمكن بقدراته من تحويلها إلى مادة سهلة هينة تدخل عقول الطلاب بلا صعوبة، وهذا من شأنه أن يبرع هؤلاء الطلاب في دراستهم ويحققوا أفضل النتائج، ففي كل عام كان ومازال لدينا حصة جيدة من المتفوقين على مستوى المحافظة».
أما الأستاذ والشاعر “إبراهيم منصور” فيقول: «هذا المربي الفاضل واحد من المربين الأفاضل الذين أسسوا للتعليم الخاص في طرطوس، وساهموا في بناء جيل قامت عليه المحافظة ثقافياً وعلمياً، وهو آخر العنقود بالنسبة لهم كالأستاذ “يوسف الباني” والدكتور “قيصر محفوض”، فلهم الفضل وكل الفضل في بلوغنا هذا المستوى العلمي والثقافي والذي أصبحنا فيه منافسين للمراتب الأولى في سورية بشكل عام».
يشار إلى أن المربي الفاضل “فايز اسطفان” من مواليد طرطوس عام 1921 وتوفي في عام 1991.
تنويه: اللقاءات الواردة أعلاه تم اقتباسها من ذكرى الأربعين للمرحوم “فايز نايف اسطفان”.